هل يمكنك ان تكون واسع الاطلاع؟؟
لن تستطيع رؤية الغالبية العظمى من الكتب، والأفلام، وبرامج التلفاز، والفنون، وستكون مجرد أرقام بالنسبة لك
لنأخذ على سبيل المثال الكتب وحدها. فلنفترض أنك تقرأ كتابين أسبوعيًّا، وأحيانًا يكون الكتاب طويلًا فتستغرق في قراءته أسبوعًا. تقريبًا هذه هي نسبة التقدم السريعة للقارئ العادي. مما يعني أنك تستطيع الانتهاء من قراءة 100 كتاب في العام تقريبًا. لو افترضنا أنك بدأت الآن، وأنك في الخامسة عشر من عمرك، وتنوي الاستمرار بنفس معدل السرعة في القراءة إلى أن يصبح عمرك 80 عامًا. هذا يعني 6500 كتاب، والذي يبدو عددًا كبيرًا
دعني أسدي لك معروفًا آخر: لنفترض أيضًا أنك قد حصرت خياراتك في الكتب المكتوبة في الـ250 عامًا الماضية. بمعنى أنك لن تقرأ أي شيء قبل عام 1761. وهذا يعني أنك انقطعت عن مساحة هائلة وضخمة من الأدب، بالطبع، ولكن سنفترض أنك تشطب آلاف السنين من الكتابة فقط لتحاول أن تكون واسع الاطلاع بشكل معقول
بالطبع، في الوقت الذي ستكون أصبحت في الثمانين من عمرك، سيكون هناك 65 عامًا أخرى طبع فيها الكثير من الكتب الجديدة، وبحلول ذلك الوقت أصبحت تتعامل مع 315 عامًا من الكتب، مما يتيح لك قراءة 20 كتابًا من كل سنة جديدة. ويجب عليك تقسيم العشرين كتابًا لتغطي مواضيع مختلفة مثل القصص الخيالية والواقعية، والتاريخ، والفلسفة، والمقالات، والمذكرات، والعلوم، والدين، والخيال العلمي، والنظريات السياسية… أتمنى أنك لم تكن تخطط للخروج كثيرًا
بإمكانك معرفة الأمور المهمة، وبإمكانك التعمق بما فيه الكفاية لتصبح على دراية جيدة بعدة أشياء، ولكن معظم الموجود، سيتحتم عليك تجاهله. (عليك أيضًا ألا تنسى الكتب غير المكتوبة بالإنجليزية! وعليك أن لا تنسى تعلم جميع اللغات الأخرى!)، وكان الله في عون أبنائك، والذين في الغالب إما سيرمون ما يقدر بـ 30 عامًا من الكتب التي اعتبرتها بالغة الأهمية وإما أن يصبحوا انتقائيين أكثر منك في اختياراتهم
بإمكاننا إجراء نفس الحسابات مع الأفلام أو الموسيقى أو التلفاز. ببساطة، ليس لديك أي فرصة لمشاهدة أغلب الموجود. إحصائيًّا، ستغادر هذه الحياة وقد فوت تقريبًا كل شيء.
“روجر أبرت” كتب مؤخرًا مقالا عن الفكرة في أن تصبح “واسع الاطلاع”، وتحديدًا عن المؤلفين الذين لا يُقرأ لهم كثيرًا بعد موتهم بفترة طويلة. وعبر عن أسفه لأنه يحس أن العديد من الأشخاص لم يعودوا لقراءة الكتابات العظيمة للكثير من المؤلفين القدامى أو أصبحت معرفتهم مقتصرة على أعمال محدودة لهم
وهذا حقيقي بلا شك؛ هناك العديد من الأشياء تتلاشى. ولكني أيضًا لا يسعني إلا إلقاء اللوم ولو جزئيًّا على حقيقة أن لدينا إمكانية الوصول إلى أشياء أكثر بكثير للاختيار منها بشكل سهل جدًّا. , Netflix, Amazon, iTunes كلها اختيارات متاحة، ولم يعد عليك الذهاب إلى المكتبة والبحث في الكتب المغطاة بالأتربة أو سؤال الرجل الذي يعمل في متجر التسجيلات لتعرف آخر الإنتاجات الفنية التي لا تعرف عنها شيء. الآن كل ما عليك فعله هو اختيار السماع إذا أردت ذلك
تعودت في السابق على عدد محدود من الاختيارات العملية المعقولة المقدمة إليك، بناء على ما يباع في متاجر الكتب، أو تقييمات الكتب التي أصدرتها الصحف المحلية، أو ماذا سمعت في الراديو، أو ما تم تعليمه لك في الجامعة في قسم اللغة الإنجليزية. كانت هناك كمية ضخمة من الاختيارات التي تحدث ولكنها كانت تحدث في مستوى أعلى من مستوى المستهلك
الآن، كل شيء أصبح توفيره سهلًا، وحاليًا يوجد ردا فعلٍ إذا أردت أن تشعر أنك واسع الاطلاع، أو متذوق جيد للموسيقى، أو أي شيء آخر: وهما الإقصاء والاستسلام. “الإقصاء” هو الاختيارات التي تقوم بها لنفسك. هو تصنيفك لما تعتقد أنه يستحق وقتك وما لا يستحق. هو قولك: “أعتبر برنامج x استخدامًا سيئًا لوقتي”، ولهذا أختار عدم مشاهدته. أو قول: “قرأت الكتاب الأخير للكاتب الفلاني وغفوت أثناء قراءته 6 مرات، ولهذا لن أكمله”
“الاستسلام”، في الناحية الأخرى، هو إدراك أنك لا تملك وقتًا كافيًا لكل شيء تعتقد أنه يستحق وقتك لو توافر لديك وقت، وأن هذه الحقيقة لا تهدد إحساسك بكونك واسع الاطلاع. “الاستسلام” هو تلك اللحظة عندما تقول: “أراهن أن كل كتاب من الألف الكتاب التي من المفترض أن أقرأها قبل وفاتي جيدة للغاية، ولكني لن أستطيع قراءتها كلها، وغالبًا ستكون تلك الكتب على قائمة الأشياء التي لم يتسن لي فعلها”. هو إدراك أن “واسع الاطلاع” ليست الوجهة الذي تسعى للوصول إليها؛ لا يوجد مكان كهذا لتصل إليه، وإذا افترضت أن هناك وجهة، سيتعين عليك العيش 1000 سنة لكي تصل إليها، وعند وصولك، ستكون هناك 1000 سنة جديدة لتواكبها
من الأشياء التي لاحظتها في السنوات الأخيرة في العديد من الأشخاص، أثناء تبادلنا الأحاديث الثقافية، أنهم يهتمون بالإقصاء أكثر من الاستسلام. وأنهم يريدون الإقصاء بكل ما يستطيعون من قوة. إذا قلت: “كل فئة القصص الخيالية هراء”؛ فقد قللت بشكل هائل حجم الاستسلام الحقيقي، لأنك تجاهلت الكثير دفعة واحدة
نفس السابق يحدث عند حذف الآتي من قائمتك: الأفلام الناطقة بلغات أخرى، الوثائقيات، كلاسيكيات الموسيقى، الروايات الخيالية، المسلسلات، الفكاهة. أصبحت أشاهد الناس وهم يرمون تصنيفات كاملة، بتوسع وقوة: التلفاز ليس مهمًّا، الخيال ليس مهمًّا، الأفلام الناجحة ليست مهمة. لا تتحدث عن الراب؛ لأنه ليس مهمًّا. لا تتحدث عن أي شخص مشهور لأنه ليس مهمًّا. ورجاء لا تخبرني أن تلك الأشياء مهمة، لأن هذا يعني أنني أقوم بتجاهل شيء مهم، وهذا غير مريح. هذا استسلام
أعتقد أن الأمر يتطلب مجهودًا، أن نجعل العالم أصغر وأسهل للتحكم به، أن نجعل الوعي بأن الكثير يفوتنا أقل إيلامًا. هناك بعض الأشخاص الذين يختارون أن لا يشاهدوا التلفاز ويجدون أنه من الأسهل أن يعلنوا أنهم لا يشاهدونه لأنه لا توجد برامج جيدة (والذي يعتبر إقصاءً) بدلًا من القول إنهم سيختارون فعل أشياء أخرى، ولكنهم أيضًا يعترفون أنهم يفوتون بعض البرامج الجيدة وهو استسلام)
والناس تقصي وبشكل واضح في اتجاهات أخرى أيضًا، مثل تفويت المتاحف الفنية لأنهم يعتبرونها مملة وقديمة الطراز، ولأن أيضًا التعلم عن الفنون شيء مستهلك للوقت، والاعتراف أنك لم تجعلها من أولوياتك يعني أنه من المحتمل أنك تفوت عليك الكثير. (تلميح: أنت بالفعل تفوت الكثير)
الإقصاء سهل، فهو يعني الإحساس بقدر كبير من التحكم والسيطرة، الاستسلام، على الناحية الأخرى، محزن قليلًا. لأنك في تلك اللحظة تدرك أنك منفصل عن الكثير. وأنك تتفهم أنك ستفوّت معظم الفنون والكتب والأفلام المتواجدة في أي وقت مضى والتي ستوجد في المستقبل، وفي الوقت الراهن هناك عرض يقدم في مكان ما في العالم وأنت لا تشاهده وكنت في الغالب ستحبه لو شاهدته
إنه شيء محزن، ولكنه أيضًا شيء رائع، تخيل أنك استطعت رؤية كل شيء جيد، أو أنك تعرف كل الأشياء الجيدة. تخيل أنك حقًّا شاهدت كل الأفلام وقرأت كل الكتب التي من المفترض أن تقرأها، إلى أن تصل إلى مرحلة أنك لا تحتاج قراءة أي شيء آخر. سيعني هذا ببساطة أن كل القيم الثقافية التي أنتجها العالم منذ نشأته صغيرة وضئيلة جدًّا لدرجة أن شخصًا واحدًا يستطيع أن يستوعبها كلها خلال حياته. مما سيجعلنا مخفقين، على ما أعتقد
إذا كان مصطلح واسع الاطلاع يعني “عدم تفويت أي شيء”، فهذا يعني أنه ليست لدى أي شخص فرصة لفعل ذلك. ولكن إذا كان المصطلح يعني “بذل جهد حقيقي للاكتشاف بعمق”، فنعم، جميعنا نستطيع أن نصبح واسعي الاطلاع. ولكن ما نشاهد دائمًا سيكون كوبًا صغيرًا مغترفًا من محيط كبير جدًّا، وإعطاء ظهرك للمحيط لتأمل الكوب لن يغير تلك الحقيقة
إرسال تعليق